موقع الدكتور صالح أبو أصبع
الرئيسة/  مقالات صحفية

أجندات إعلامية


أفسحت الفضائيات المجال للحوارات المفتوحة، وحينما كانت حرية الرأي وحرية التعبير مفقودتين في الوطن العربي جاءت البرامج الحوارية كمن يرمي حجراً في بركة ساكنة، لقد بدأت الحوارات الساخنة تحرك هذا الفضاء الساكن الذي يعيش فيه الإنسان العربي ويشعر معه بفقدانه حقه في التعبير والمقدرة على ممارسته.

وابتدأ الناس يتابعون البرامج الحوارية بشغف، وخصوصاً أنها حاولت الاقتراب من قضايا كان الحوار فيها محظوراً، وصار الناس يسمعون أصواتاً تعبر عما لا يستطيعون التعبير عنه.

ولكن هل استطاعت البرامج الحوارية أن تقدم فرصة حوار حقيقي، مما يسهم في التنمية السياسية، والوعي الحقيقي لدى المواطن العربي، مما يساعده في المشاركة الفعالة في حياته السياسية، ويعمل على المساهمة في حل مشكلاته؟

في الواقع أن ما تحقق شيء مختلف، فعلى الرغم من أن البرامج تظهر بأنها تفسح المجال لاستقبال الآراء دون تدخل من المحطة الفضائية، إلا أن الواقع غير ذلك، فالفضائيات لها أجنداتها الخاصة، لذا فهي تختار المتحاورين، من خلال أشخاص ترى أنهم يحققون أهدافها، بل تقوم كذلك باختيار المتدخلين في الحوارات عبر الاتصالات الهاتفية المرتبة مسبقاً، وتحول دون وصول مداخلات يمكن ألا تصب في تيارهم، وهكذا يتم محاصرة الاستماع إلى آراء الناس، والتعرف على الرجع الحقيقي للرأي العام.

وليس كل ما يصل الفضائيات من آراء يتم عرضه على الجمهور، فهناك مغربل مهمته تنقية ما يصلها من آراء وبحيث لا تتجاوز حدود أهداف البرنامج ومصالح المحطة، وقيود الزمن المتاح. ولعل الرجع الصادق الذي يمكن اعتماده هو الذي يتمثل في تلك المداخلات التي تتم عبر الفاكس أو الانترنت والقليل من المساهمات التي يشارك فيها بعض الناس العاديين.

لا شك أن البرامج الحوارية مهمة، وهي شكل فني ذو طابع درامي، كما أن فكرتها الأساسية تحمل صراعا بين أفكار، ولكن قيمتها الثقافية محدودة. إنها تثير الغبار ولكنها لا تترك آثاراً.

أريدكم أن تتابعوا برامج الرأي الحوارية، وتخبروني عن برنامج واحد منها يقوم فيه مقدم البرنامج بإتاحة الفرصة لمتحاورين من رأيين مختلفين لعرض وجهات نظرهما بأريحية كاملة، وهل يستطيعان فيه عرض آرائهما بتقديم وجهة نظر متكاملة حول موضوع واحد؟ وهل يمكننا أن نتخيل كيف يكون المتحاورون محاصرين بسطوة مقدم البرنامج وبعامل الوقت؟

لقد تعودنا أن نتابع هذه البرامج ولدينا فرحة خفية كمن يتابع صراع الديكة أو صياحها دون هدف، أو بالأصح دون الوصول إلى هدف، وقد أصبحت مشاهد كثيرة للحوارات تنتقل عبر اليوتيوب وهي اشبه بعمل درامي يتناوش فيه المتحاورون.

ويتجاوز الأمر في بعضها أكثر من المناوشات الكلامية والشتائم البذيئة ليصل إلى الصراع بالأيدي وتحطيم الكراسي في الاستوديو، وهذا لا يعني أن أطراف الحوار لا يدركون أن الحوار يعني قبول الاختلاف والحق في استقلالية الرأي لكل طرف من أطراف الحوار.

إن ما شهدناه وخبرناه طيلة السنوات الماضية يؤكد حاجتنا الماسة لتربية تؤمن بلغة الحوار والتسامح وتقبل الرأي الآخر.

اللهم احمنا من صراع أفكار لا يولد أفكاراً جديدة، ولا يوصلنا إلى فكرة واضحة سليمة، اللهم احمنا من لعبة الحوارات غير الناضجة التي تنتهي بالشتائم وتحطيم الكراسي.


التعليقات

الحقوق محفوظة موقع الدكتور صالح أبو أصبع © 2024