العرب والأمية والقراءة
2016-03-04العرب والأمية والقراءة
د. صالح أبوأصبع
المصدر:
د. صالح أبوأصبع
التاريخ: 03 أبريل 2016
عام 2016 هو عام القراءة في دولة الإمارات، قرار أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ليحمل أكثر من معنى وأكثر من رسالة، ليس على مستوى دولة الإمارات فحسب، بل كانت رسالة إلى العرب جميعاً.
لماذا القراءة الآن ونحن العرب منشغلون بالحروب، وبمواجهة القوى الظلامية التي تُكرّس الجهل وتقود معارك ضد الحضارة والإنسانية، وتسهم في عمليات التجهيل، وتقضي على أسس القراءة في كثير من المجتمعات العربية.
وفي ظل ما يجري في عديد من الساحات العربية المتناحرة أصبح التعليم لأعداد كبيرة من أبناء العرب أمراً بعيد المنال، ولم يُعد هناك فرص لأجيال جديدة من الأطفال للدخول إلى المدارس، ففي سوريا مثلاً أصبحت المدارس ركاماً، والأطفال يتم استغلالهم في القتال، بل وفي عمليات انتحارية، مما يجعل الطفولة العربية في بلدان الاقتتال مثل سوريا واليمن والعراق طفولة محرومة من دخول المدارس ومن فرصة تعلم القراءة والكتابة، بل ومن فرصة في حياة كريمة.
مع وجود الاقتتال تشرد الملايين من العائلات، وفقدت كثير من الأسر موارد رزقها، وأصبح العديد من الأطفال جزءاً من آلية البحث عن لقمة العيش للمساعدة في إعالة الأسرة لتوفير قوت يومها، وهكذا أصبح لدينا مئات الآلاف من الأطفال المحرومين من فرص التعليم.
لقد كانت بلدان مثل سوريا والعراق تتمتع بنسب عالية من التعليم، وكانت الأمية فيها لا تصل إلى 15% من إجمالي عدد سكانها.
والآن نجد أن الأمية تنمو فيهما بشكل مُطّرد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فأجيال جديدة من الشباب لم تعد القراءة من اهتماماتها، لقد أصبحت تكنولوجيا الاتصال وسائل مهيمنة على حياة الشباب، فانشغالاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي حرمتهم من الانشغال بالقراءة الجادة.
بل وأصبحت اللغة التي يكتبون بها في وسائل الاتصال الاجتماعي لغة مشوهة للغاية، فبعضهم يستخدم في الكتابة بديلاً عن اللغة الفصحى، اللهجة المحلية، وبعضهم يستخدم لغة هجينة بين العربية والإنجليزية المعروفة بالأرابيزي، والبعض الآخر يستخدم الأحرف الإنجليزية ليكتب مضموناً باللغة العربية.
لذا كانت الدعوة إلى القراءة لتكون منهاج حياة، هي ضرورة للأمة كي تنهض من كبوتها، وهي رسالة إلى الأمة العربية كي تسعى إلى مجتمع قارئ، والمجتمع القارئ لا يمكن أن يكون مع وجود أمية مرتفعة.
من هنا فإن مبادرة عام 2016 ليكون عام القراءة، فإنها في حقيقتها ناقوس خطر ودعوة إلى العمل على محو أمية القراءة والكتابة وإلى محو الأمية الثقافية التي باتت من أحد خصائص أجيال جديدة من الشباب العربي.
وقد كانت جائزة القراءة التي تم تخصيصها لأطفال المدارس، والتي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هي إدراك عميق لأزمة تضرب أركان المجتمع العربي وهي نقص القراءة في المجتمعات العربية.
هل من طريق للنهوض في مجتمعاتنا سوى الالتفات إلى أهمية القراءة، التي تعني مجتمعاً خالياً من الأمية، وتقود إلى أجيال جديدة مُسلحة بالعلم والثقافة القادرة على مواجهة التحديات الفكرية والتشوهات الثقافية التي باتت تنخر المجتمعات العربية.