حينما تكون السيرة الذاتية تاريخاً للإمارات
2016-07-24حينما نقرأ كتاب «اعترافات أكاديمي متقاعد» للدكتور عبدالخالق عبدالله، فإننا نستمع إلى صوت أكاديمي وهو يحكي تاريخاً عن الإمارات مثل السيرة الذاتية التي كتبها إماراتيون آخرون مثل «حديث الذاكرة» لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، ومثل سيرة حياة خلف الحبتور وسيرة محمد عبد الجليل الفهيم، هذه السير كما أشار الكاتب تحكي تاريخ وطن أيضاً.
تتجاوز مذكرات الدكتور عبدالله مجرد كونها حكاية خبرات الفرد لتنقل تجربة وأحداثاً ذات صلة بتاريخ المجتمع. وتتوزع على سبعة فصول، وهو هنا يقدم لنا تجربة مميزة في حقلين خاصين هما عالم الأكاديميا وعالم الكتابة، وهما مجالان يضيفان بعداً إلى تجارب السير السياسية والاقتصادية لتثري الحياة الفكرية.
من خلال الفصول السبعة نسير في رحلة ممتعة لنجد أن ما يشكل جوهر الكتاب ثلاثة عناصر هي الشأن الأكاديمي، والكتابة، والالتزام. ونتعرف معها على مراحل نشأته الأكاديمية وتطورها، ونعيش معه كاتباً معنياً بهموم الوطن والتعبير عن نبض المجتمع.
يبدأ الكاتب حديثه عن أهمية التحاقه بجامعة الإمارات التي وفرت لأعضاء التدريس الحرية الأكاديمية والجو المناسب للإبداع، حيث هامش الحرية المتاح في الجامعة غير متاح في أي مكان آخر. وقد تحدث عن دوره الأكاديمي الملتزم وانغماسه في الشأن العام.
ومما يلفت الانتباه ذكره للرموز التي تُوّحد شعب الإمارات، من بينها أن للإماراتي أب وطني واحد فقط هو الشيخ زايد، رحمه الله، مؤسس دولة الإمارات، وهناك علم واحد ونشيد وطني.
ويتحدث عن المرحوم الشيخ راشد بن سعيد باعتباره الأب المؤسس لمدينة دبي الحديثة، كما تحدث بحب وإعجاب عن تواضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، معتبراً إياه الأب المؤسس لمدينة دبي المعولمة، حيث تعيش عصرها الذهبي بما أسماه الحقبة المحمدية (نسبة إليه).
ويقدم تجربته في القراءة مما يشكل دروساً عملية لمن يرغب في الثقافة، فهو ينقلنا من قراءاته الأولى مثل المجلات وكتب المغامرات والروايات إلى كتب الفلسفة والفكر السياسي. ويستعرض ما أثر فيه من كتب مثل كتاب الجمهورية لأفلاطون ويذكر الأساتذة الذين تأثر بهم مثل بول دوم وويليام دوغلاس وهشام شرابي. وخلص إلى أن احترام الأستاذ وتقديره لطلبته يقود إلى احترامه وتقديره وذلك بإعطاء الطلبة الفرصة للنقاش والتعبير عن آرائهم.
ويبحر الكاتب مع تجربته مع الكتابة فهو يعرفنا بالكتب التي أنتجها ويُعرِّج على كتابته المقالة التي كانت وسيلة للتعبير عن رأيه للتواصل مع الجمهور والتأثير في صنع القرار. وكانت كتاباته تتسم بالصراحة مما سبب له المتاعب. وكان حلمه دوماً أن تكون الإمارات الأولى في مجال الحرية على الصعيد العالمي وخصوصاً أن الإمارات تسعى لأن تكون الأولى في جميع المجالات ولماذا لا تكون الأولى في مجال حرية الصحافة وحرية التعبير في العالم.
يقدم الكاتب في أكثر من موقع ما يدلّ على تواضعه فهو يعترف بأن ليس كل ما كتبه عن الربيع العربي مقنعاً، ولذا فهو يعتذر ويرى أن الكتابة كالحياة تمر بمراحل عدة كي تصل إلى النضج.
وينتقل إلى الحديث عن قلقه من أن الثقافة في الإمارات تعاني من غياب الصف الثاني من الكتاب والأدباء والأكاديميين في الإمارات، وعزا ذلك إلى أنه في ظل الانهماك في الماديات لم تبذل المؤسسات الثقافية المحلية والاتحادية الجهد للتواصل مع الجيل الجديد وتشجيعه.
ويتحدث كذلك عن تجربته مع شبكات التواصل الاجتماعي وخصوصاً دخوله كمغرد على التويتر. وهو يرى أن المستقبل يتجه إلى الافتراضي وهذا سيقود إلى مرحلة أسماها بمرحلة «أنا افتراضي إذاً أنا موجود» وقد باشر تغريداته عام 2011 وزاد تعلقه بتويتر لسرعة الردود الناعمة والخشنة التي يتلقاها المغرد. ويشير إلى ما عاناه من حملة «إرهاب إلكتروني تويتري» هدفه اغتياله كمغرد أكاديمي مستقل. وهذا لم يؤثر فيه إذ قرر المواصلة رغم التشهير وقد كسب معركة البقاء في تويتر.
ولعل ما يلفت الانتباه في هذه السيرة توصيفه لمجتمع الإمارات بالمجتمع الحشيم حيث ما يميز مواطن الإمارات صفة الحشمة، والتي رأى أنها تراجعت على تويتر.
والذي يعيش في مجتمع الإمارات يدرك أن هذه الصفة ما زالت سمة لأفراده، وهذا الذي يجعل مجتمع الإمارات ذا الصبغة العالمية يعيش في جو من التسامح والتناغم على الرغم من وجود نحو مائتي جنسية من دول العالم.