برامج المقالب في رمضان
2016-06-28تقدم القنوات الفضائية في رمضان، برامج المقالب بهدف الترفيه. ففي برنامج هاني في الأدغال، نشاهد مقدم البرنامج وهو يعتذر للممثلة داليا بقوله أنا آسف. ونتساءل، لماذا كان مثل هذا البرنامج أساساً، ما دام مُقدِّمه يكرر فيه أسفه الشديد لضحيته عن المقلب اللا إنساني الذي جعل الممثلة وحيدة في الأدغال، في ظروف مرعبة داخل سيارة فيها أفعى، والأسود تحوم حول السيارة، وتستغيث ولا مغيث لها.
وهناك برنامجان آخران لا يقلان تخويفاً وعنفاً، وهما برنامج «ميني داعش» وبرنامج «رامز بيلعب بالنار»، الذي يجعل ضيوفه يموتون رعباً من النيران والمفرقعات التي تحاصرهم من كل جانب. وكذلك يتعذب ضيوف برنامج «ميني داعش» من مواجهة إرهاب مُفتَرَض يحاصرهم، ليكونوا ضحايا الرعب، كما حصل مع أحد ضيوف البرنامج، الذي أغمي عليه من شدة الخوف.
أقل ما يمكن أن يقال في هذه البرامج، أنها تجانب تحقيق هدف الترفيه. فما هو الهدف من إظهار الضعف البشري، عندما يواجه ضيوف البرامج قوى خارجة عن قدرتهم في ظروف الحصار المادي والنفسي الذي يعيشونه.
ويستند كثير من منتجي برامج مقالب العنف، على نظرية التطهير النفسي، وهي من نظريات أرسطو في كتابه «فن الشعر»، التي ترى أن الفعل المأساوي في التراجيديا، يقوم عن طريق زرع الخوف والشفقة بتطهير النفوس البشرية، بالتنفيس عن الانفعالات العدائية والغرائز المكبوتة لدى المشاهدين.
ولكن هذه النظرية لا تنطبق على هذه البرامج. ذلك لأن الدراما تقوم على مواقف إنسانية تفاعلية بين الناس، فيها صراع بين الخير والشر، وهذا ما تفتقده برامج المقالب.
كما أن الحياة العربية اليوم، مليئة بمشاهد واقعية، ما يثير الخوف والرعب بما يكفي، فلماذا يتعذب الجمهور في مشاهدة صور من الفزع والصراخ والرعب والانفجارات والنيران، مع أن حياتهم نفسها باتت محاصرة بمشاهد واقعية من الدمار والآلام والعنف، جراء ما يجري في سوريا والعراق واليمن وفلسطين. أي متعة يحققها المشاهدون العرب وهم معجونون بالآلام وبالمعاناة، لذا، فهم ليسوا بحاجة إلى مزيد من الخوف والقلق والتوتر؟.
ولعل السبب الرئيس في رفضنا لمثل هذه البرامج، أن طبيعة النفس البشرية تميل إلى الاستمتاع بما هو مبهج وهادئ ومريح ومناسب للطبيعة البشرية، لذلك، يفضل الجمهور مشاهدة الأعمال الكوميدية أو الرومانسية أو الاجتماعية أو الغنائية.
ونحتاج أن نعايش شهر رمضان، بنسمات من الروحانية والترويح، وليس برامج الوحشية والتجريح. ويُضاف إلى ذلك أسلوب مقدمي هذه البرامج، وهم يقومون بأداء فظ، ويصرخون بأسلوب يفتقر إلى الآداب العامة.
وندرك أن برامج المقالب كفكرة، مقبولة فنياً، ولكن على أن تحمي الكرامة الإنسانية والسلامة النفسية والبدنية لمن يشارك فيها أو يشاهدها. ولنا في بعض برامج الكاميرا الخفية الأجنبية، وخصوصاً الكندية، نموذج راقٍ للاحتذاء، فهي من برامج المقالب المهذّبة، التي تعتمد على أفكار متنوعة مبدعة، تقدم لنا في كل حلقة جديدة، فكرة لمقلب جديد، ولكنها لا توقع الناس في دوائر الرعب التي تحقق أي أذى نفسي. بينما نجد أن برامج المقالب العربية، تقوم على تكرار نفس المقلب على مدى ثلاثين حلقة، دون مراعاة لمشاعر المشاركين أو المشاهدين.
فلماذا لا نتعلم في برامجنا العربية، كيف نحافظ على كرامة المشاركين ومشاعر المشاهدين، بدلاً من امتهان كرامة الإنسان في إظهار انفعالاته في لحظات الضعف، التي هي ليست مجالاً للاستمتاع، ولا تحقق هدف الترفيه.