موقع الدكتور صالح أبو أصبع
الرئيسة/  مقالات صحفية

لماذا تميزت حضارة الغرب عن بقية العالم؟


في كتابه «الحضارة: الغرب والبقية» يحدد نيال فيرغسون العوامل التي جعلت حضارة الغرب متفوقة ومزدهرة طيلة القرون الماضية بينما كانت حضارات مزدهرة مثل حضارات الهند والصين وبيزنطة والإسلام قد تراجعت.

وفكرته عن الحضارة بقدر ما هي عن أنابيب الصرف الصحي كذلك هي عن ركائز الطيران، لأنه من دون كفاءة المجاري في المدن فهي فخاخ للموت، وتُحوِّل الأنهار والآبار إلى ملاذات للأوبئة. في رأيه، إن الحضارة أكثر من محتويات المعارض الفنية. إنها منظومة بشرية معقدة للغاية. قد يكون ما حققته في لوحاتها وتماثيلها ومبانيها إنجازات لافتة للنظر، لكنها ستكون غير مفهومة دون فهم المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي وضعتها ونفذتها وحافظت عليها.

ويقاس نجاح أي حضارة ليس فقط في إنجازاتها الجمالية ولكن أيضاً في مدة حياة مواطنيها ونوعيتها. ونوعية الحياة تلك لها أبعاد عدة، وليس بكل يسر يمكن قياسها كمياً. ونحن قد نكون قادرين على تقدير دخل الفرد من الناس، أو تقدير متوسط العمر المتوقع عند الولادة. ولكن ماذا عن راحتهم؟ ونظافتهم؟ وسعادتهم؟

الحضارات جزئياً هي استجابة عملية من جانب السكان لبيئاتهم - تحديات التغذية والسقي، والإيواء والدفاع عن أنفسهم - ولكنها أيضاً تحديات ثقافية في طابعها، غالباً هي تحديات دينية وتحديات مجتمعات لغوية ولكن ليس دائماً.

في هذا الكتاب أراد أن يثبت أن ما يميز الغرب عن باقي العالم ست ركائز رئيسية لقوة الغرب العالمية وهي مركبات محددة من المؤسسات والأفكار والسلوكيات المرتبطة بها. ويلخصها تحت ستة عناوين رئيسية:

1. المنافسة في كل من الحياة السياسية والاقتصادية، التي هيأت منصة الانطلاق للدول القومية والرأسمالية على حد سواء.

2. العلم وسيلة للدراسة والفهم لتغيير العالم الطبيعي، الذي أعطى الغرب (بين أمور أخرى) ميزة عسكرية كبيرة على البقية.

3. حقوق الملكية وسيادة القانون كوسيلة لحماية المُلّاك وحل الخلافات بينهم سلمياً، وشكلت الأساس للنموذج الأكثر استقراراً للحكومة الممثلة النيابية.

4. الطب كفرع من العلوم سمح بتحسن كبير في الصحة ومتوسط العمر المتوقع.

5. المجتمع الاستهلاكي كأسلوب للمعيشة المادية، حيث يلعب إنتاج السلع الاستهلاكية دوراً اقتصادياً مركزياً، والتي من دونها كان لا يمكن استدامة الثورة الصناعية.

6. أخلاقيات العمل إطار عمل أخلاقي وأسلوب نشاط مستنبط من البروتستانتية المسيحية (بين مصادر أخرى)، التي توفر التماسك لمجتمع ديناميكي.

سمحت هذه التطبيقات الستة لأقلية بشرية نشأت على الطرف الغربي من أوراسيا للسيطرة على العالم طيلة القرون الخمسة الماضية.

الغرب إذاً، هو أكثر بكثير من مجرد تعبير جغرافي. وهو عبارة عن مجموعة من المعايير والسلوكيات والمؤسسات ذات الحدود الواضحة. ويرى أن الفرق بين الغرب وبقية العالم يكمن في المؤسسية.

ويتساءل هل يلوح في الأفق انحدار الحضارة الغربية وسقوط النسخة الثانية منها؟

فمن الناحية الديموغرافية، ولفترة طويلة فإن عدد سكان المجتمعات الغربية في العالم أقلية، واليوم العدد في تضاؤل مستمر. وتواجه اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا الآن احتمالاً حقيقياً من أن تتفوق الصين عليها والبرازيل والهند ليستا بعيدتين كثيراً.

ويبدو أن الأزمة المالية التي بدأت في عام 2007 تشير إلى وجود خلل أساسي في قلب المجتمع الاستهلاكي الغربي. مع التركيز على علاج ديون التجزئة المدفوعة. وقد اختفت كل أخلاقيات البروتستانتية للتوفير التي كانت تبدو مركزية للمشروع الغربي، وفي الوقت نفسه تعاني النخب الغربية من المخاوف من وقوع كارثة بيئية مقبلة.

ولذا فهو يرى أنه فقط بتحديد الأسباب الحقيقية للصعود الغربي يمكننا بها أن نأمل في التعرف على إمكانية التقدير بدقة درجة اقتراب حدوث تراجع الغرب وسقوطه.

هل بإمكان الدول العربية أن تستفيد من هذه الدروس لتصنع نهضة جديدة؟ وخصوصاً كما يظهر للعيان أن الإمارات استفادت منها في نهضتها الحالية، حيث هدفت خطة رؤية الإمارات 2021، إلى جعل الإمارات من بين الأفضل في العالم بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد. بتحقيق الأولويات المتمثلة في التعليم، والرعاية الصحية، والاقتصاد، والشرطة والأمن والإسكان والبنية التحتية والخدمات الحكومية.


التعليقات

الحقوق محفوظة موقع الدكتور صالح أبو أصبع © 2024