الأسرة العربية في عصر متغير
2016-06-12شاهدت في إحدى الفضائيات العربية برنامجاً استضاف رئيس منظمة الأسرة العربية، وقد تحدث فيه عن واقع المنظمة وعن بعض المشكلات التي تواجه الأسرة العربية وسبل دعمها. وهذا الحديث يقودنا إلى التساؤل عن واقع الأسرة العربية اليوم، الذي يتطور ويأخذ أشكالاً مختلفة عما ألفناه في أسرنا العربية التقليدية.
ذلك أن متغيرات العصر الذي نعيشه جعلت الأسرة العربية هي غير تلك الأسرة التقليدية الممتدة التي عرفناها. فالمتغيرات التي طالت ظروف العمل والمتغيرات التي طالت تكنولوجيا التواصل، والمتغيرات السياسية والاقتصادية جميعها أثرت على طبيعة الأسرة في علاقاتها وحجمها وأساليب تربيتها.
إننا ندرك أن الأسرة هي عماد المجتمع، وحينما نتحدث عن التنمية البشرية فإن الأسرة هي محور هذه التنمية، وإذا أردنا أن نستثمر في الإنسان فإن مصدر الاستثمار يبدأ في الأسرة التي تقوم على تربية الأبناء.
ولكن ما الذي طرأ على الأسرة العربية لتكون موضوعاً للحوار؟ إن المتابع لما يجري في المجتمعات العربية من مشكلات مجتمعية مثل نسبة الطلاق المرتفعة وما ينتج عنه من تفكك للأسرة وتأثير على الأبناء، وما نشاهده من ازدياد العنف والجرائم، وانتشار المخدرات بين الشباب العربي، وتفكك الأسرة كلها تثير تساؤلات ما الذي يجري للأسرة العربية اليوم؟
كانت الأسرة العربية أسرة ممتدة تحكمها علاقات دافئة، ولكن المتغيرات في ظروف العمل التي جعلت الأفراد ينتقلون من مدينة إلى أخرى، بل من دولة إلى أخرى مما أدّى إلى انتزاع الأفراد وأسرهم من الجو الحميم للأسرة الممتدة، وأصبح السعي نحو الرزق يحول دون التواصل بين أفراد الأسرة.
وأضف إلى ذلك تأثيرات تكنولوجيا الاتصال التي أصبحت لدى البعض بديلاً عن التواصل المباشر، فإنها من خلال الهواتف الجوالة ورسائلها القصيرة الصوتية والمكتوبة، ومن خلال وسائل الاتصال الاجتماعية مثل الفيسبوك وغيرها باتت وكأنها البديل المثالي للتواصل الشخصي العائلي، وإذا أخذنا في الاعتبار الدور الذي صار مشهداً واضحاً في حياة الأسرة انشغالهم فيما تقدمه الفضائيات ومتابعة المسلسلات، حيث أصبح لدى الأسرة أكثر من جهاز تلفزيوني في المنزل، يتابعون بشكل منفصل، مما يحول دون التفاعل الاجتماعي.
ونظرة إلى أي لقاء عائلي سنجد كل واحد فيهم منشغلاً بهاتفه الجوال، فأي لقاء عائلي هذا؟
إن الأسرة العربية كانت تعتمد في نشأة أبنائها على سلطة الأب والأم، وقد تداعت الآن مثل هذه السلطة، حيث باتت وسائل الإعلام تنافسها على ذلك.
إن بناء الأسرة العربية يحتاج إلى منهج تربوي جديد يبني شخصية أبنائها على التعامل بأسلوب الحوار والتسامح وتقبل الآخر في عالم أصبحت الحياة فيه تتجاوز الثقافات وعليها أن تتفاعل لا أن تتقاتل.
إننا بحاجة إلى أسرة تبني الوطن في علاقات حب دافئة، وتتيح لأبنائها فرصة النمو الطبيعي بدنياً وفكرياً، ولذا فإن دور الأسرة في تعويد أبنائها على الحوار والتسامح ينمو مع نموهم الفكري الذي يحتاج إلى أن نبدأ مع أطفالنا معايشة القراءة واصطحاب الكتاب، وتعويدهم على التفكير النقدي الذي يبدأ بقبولنا للاستماع لآراء أبنائنا، ومناقشتهم بأسلوب ديمقراطي.
إن تخصيص سنة للقراءة ومشروع مكتبة للأسرة تضع على الأسرة عبء تحمل مسؤولياتها نحو أبنائها ليجعلوا من القراءة أسلوب حياة يومية. فالقراءة تفتح أمامهم عوامل جديدة من الفكر والثقافات. وتخلق لدينا جيلاً من الأبناء واعياً منفتحاً على الثقافات ويتحمل مسؤولياته الأسرية والاجتماعية والوطنية.