الإبداع ووسائل الاتصال
2016-05-17عرفت البشرية وسائل اتصال مختلفة بدءاً بالاتصال الشخصي وانتهاء بالاتصال الجماهيري، كانت - على اختلافها - سبيلاً لتحقيق التواصل الإنساني والتعبير عن الحاجات الأساسية في المعيشة والعمل، ووفرت تقنياتها كذلك سبيلاً للتعبير عن الذات المبدعة والخيال الرحب، في فضاءات منعتقة من القيود وباحثة عن حرية لا تحد.
ومنذ القدم، كانت ملكة الإبداع عند الإنسان منطلقة الآفاق، تبحث عن أسلوب وتقنيات وأدوات يعبّر بها عن أحلامه وآماله ويتواصل بها مع الآخرين. وحين اهتدى الإنسان إلى اللغة والخط والرسم والإيقاع، اهتدى إلى سبيل يحقق معه وجوده المتفاعل مع الآخرين ومع البيئة.
ولهذا، كان الإبداع يمثل دوماً القدرة الخلاقة على ابتكار الجميل والممتع والمفيد الذي يعبّر عن تفاعل الإنسان مع بيئته، ليقدم رؤية جديدة، سواء أكانت كلمةً أو رسماً أو إيقاعاً أو نحتاً، أو غير ذلك من أشكال التعبير الحديث، كالسينما والتلفزيون، معبّراً فيها عن مجتمعه وهمومه وأمانيه وطموحاته أو باحثاً عن المطلق، وهو يحمل معه دوماً صورة للحاضر، وتعبيراً عن الحياة باستمرارها..
واستشرافاً للمستقبل. ولذلك، كانت الأعمال الإبداعية الخالدة تحمل معها سمات مشتركة ذات طابع إنساني، تطرح قضايا إنسانية لا تموت، لتكون تعبيراً عن واقع الإنسان وحلمه وآماله، ولا تفقد قيمتها مع الزمن، لأنها تجسيد للإنسان ومعاناته وأفراحه وآلامه وآماله، ولا تسقط كلما تقادم الزمن عليها، فهي غير مرهونة بلحظة الإبداع، وقابلة للتواصل في كل الأزمان، لأنها تعبّر عن جوهر الإنسان.
وهذه الحرية لا يمكن عزلها عن مفهوم حق الإنسان في الاتصال «في أن يَسمع، وأن يُسمع، وأن يَعلم ويُعلم»، كما يقول جان دارسي. وفي عالم اليوم، أصبحت وسائل الاتصال الجماهيري من إذاعة مسموعة ومرئية وصحافة وكتاب وسينما وفيديو وإنترنت ذات قوة هائلة تهيمن على حياة الإنسان، فهي غامرة في كل مكان، وهي دائماً معنا.
كيف إذاً يمكن للمرء أن يبدع وأن ينال حريته في ظل ثورة تكنولوجيا الاتصال؟!
هذا السؤال له وجاهته، إذ يشهد العالم ثورة في مجال تكنولوجيا الاتصال، لها تأثيراتها وتضميناتها على حرية الاتصال في مستويات عدة:
- فعلى المستوى الاقتصادي: هناك ظاهرة السيطرة الدولية عبر التكتلات عابرة القارات التي أصبحت أكثر استجابة لنداء العولمة من أي نشاط آخر، في ظل ظروف باتت تعرف بالتلاقي والاندماج.
- وعلى المستوى السياسي: فإن رياح التغيير هزت مواقع عديدة من العالم، وأسهمت وسائل الاتصال الجماهيري - بتقنياتها العديدة - في تغيير الواقع الجيوسياسي، وقلبت مفاهيم الديمقراطيات الشعبية والحريات والمجتمعات المدنية.
- وعلى المستوى التكنولوجي: تفرض التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الاتصال وجودها على المجتمعات جميعاً، وخصوصاً في جانبي الحرية والإبداع، حيث عملت تطبيقاتها على تلاشي الحدود بين الشعوب، ووفرت إمكانيات الحصول على المعلومات بحرية غير مسبوقة، ووفرت الإمكانيات التكنولوجية العالية والبرمجيات المتطورة فرصاً متزايدة لإنجاز إبداعات فنية مبتكرة بطرائق غير تقليدية وسهلة.
إذاً، فأزمة الإبداع والحرية أزمة متصلة، مرتبطة بجوانب وسائل الاتصال، في ظل ظروف مجتمعية وتكنولوجبة وسياسية واقتصادية، وهي في مجملها شروط أساسية لخلق ظروف موائمة للإبداع.